بقلم : د . جمال فياض - منشور في مجلة زهرة الخليج
---------------------------------------------------------
قراءة في فيلمين قصيرين
فادي ناصر الدين شاعر يكتب بيروت بالصورة والصوت ...
================================
بحضور نخبة واسعة من الزملاء الإعلاميين والصحفيين والشعراء اللبنانيين والعرب ، وعدد لا بأس به من التلفزيونيين ... بإختصار ، بحضور جمهور كبير من أصدقاء المخرج والشاعر والإعلامي فادي ناصر الدين ، عرضت صالة سينما " صوفيل " – الأشرفيه في بيروت فيلما تصعب تسميته وتحديد لقبه ومحلّه في عالم الصوره . هو فيلم قصير وثائقي يطلّ قليلا على الروائي ، ثم الدراما وأكثر على التأريخي ، وبعض الشيء من الفانتازيا الخفيفة الدم . هو فيلم " بيروت ، واو " . الذي أخرجه وصوّره فادي ناصر الدين صاحب الباع الطويل في عالم الصورة الشعريه . وقد صفّق الجمهور الحاضر طويلا لفادي وهو يقف خجولا أمام الأكف التي عبّرت عن إعجابها بهذه الصورة للحياة والشعر والقصيده والتناقض والجمال والفوضى والمقاهي والشوارع في عاصمة لبنان ، بيروت . فقد جمع فادي شعراء الجيل في كادراته وراحوا يحكون ويروون بإسهاب وحب عن علاقتهم بالمدينة التي أمتدت الأيادي اليها منذ عصور وأجيال لتكون أميرة الفكر والشعر والحياة والحب . وعلى نغمة من أغنية قديمه للراحل عمر الزعنّي " بيروت ... زهره في غير أوانها ... " . وكان يحي جابر يقدّمها لنا بعينيه ، وعصام عبدالله يقدمها لنا بشعره وبول شاوول بصوته وصورته ... وشوقي بزيع وعباس بيضون وشارل شهوان وغسّان جواد وفيديل سبيتي وناظم السيّد ومحمد الأمين وعلي مطر . وأدخل فادي بعضا من مشاهد صوَّرها ذات يوم وزمن في زاوية من رصيف مقهى بيروتي شهير وفيها الغائب الحاضر محمود درويش والى جانبه المعلم رياض الريّس وبينهما صاحب الصورة والفيلم فادي الحاضر في هذاالمشهد بشعره ونظرته الشعريه . لقد جعل فادي ناصر الدين من بيروت قصيدة فيها كل الكلمات ، ولوحة فيها كل الألوان ، وحكاية فيها كل أبطال الأزمنة والروايات . فيلم " بيروت ، واو " يمتد لحوالي نصف ساعة ، لكنه يمرّ كما لو كانت برهة من زمن جميل ومؤلم ولذيذ في جماله كما في ألمه . لقد صوّر فادي ناصر الدين وهو الشاعر اللبناني بالعامية ، قصيدته المصوّره تماما كما يلقي قصائده المثيرة والمفاجئه . وحاز الإعجاب كما في كل ما كتبه أو صوّره سابقا . وخرج الجميع يثني على قدرته السحريه على كتابة تاريخ مدينة الحياة ، بهذا الإختصار وهذه الشفافية .... ساعده الشعراء والزملاء المحبين ؟ طبعا ، لكنه أدارهم كما رآهم . وحوّلهم الى ممثلين وبعض ملامح شوارعها . هي بيروت ورصيف بحرها ، وبولفار عين المريسه بكلّ طقوسه وناسه . كما يراها ونراها وترانا . وأطرف ما في هذا العمل عن بيروت أن جميع المتكلمين فيه عنها ليسوا منها ... بل وافدين من مناطق نائيه وبعيدة وقريبة الى العاصمة .
هو ليس العمل الأوّل لفادي ناصر الدين المختزن بذاكرة الصوره النابضة ، لكنه أحد أعماله الهامة والملفته ، والداعي لمزيد من الشعر والتأمّل . ولا يمكن ألا نراه يكتب ويرسم ويستنطق الأصوات بهذا الشكل ولا نكتب عنه ، عن بعض ما فيه وما عليه .
لست أدري كيف سيراه الناس ، لكني أراه سيجعل من بيروت صورة حسناء ، رسم لها الشاعر لوحة ملوّنه بالشُهُبِ والنار ودفء الألوان . وسيجعل المشاهد يسأل نفسه لماذا أنا لست شاعرا يكتب شيئا في بيروت ؟
===============================================
.... روي خليل عندما غيّر عصفوره شكل الحياة
================================
الفيلم الثاني الذي تلقيت نسخة منه كهدية هو فيلم " كل العصافير بتصوفر " للمخرج الشاب روي خليل . وهو واحد من المواهب الشابة القادمة بثقة الى عالم الإخراج والصورة الجديده في القرن الذي سيطيح بكل المفاهيم السابقه ، ليؤسس لمفاهيم تناسب المئة عام القادمه أكثر . الفيلم مدته لا تزيد عن 15 دقيقه . ويحكي بلا حوار ، عن زوجين متقاعدين يعيشان حالة من الملل والوحدة القاتله ، وتسليهما حالة التنافر الدائمه بينهما . يأتي جارهما ليضع عندهما قفصا في عصفور كناري لطيف وطلق اللسان .وتتغيّر حياتهما تماما ، ويصبح الطير الأصفر أنيس وحدتهما ، ويتحول الحوار بين الزوجة والعصفور الى صداقة وصفير وزقزقة ... إلى أن يأتي من يسرق الطير ، وتبدأ المأساة في حياتهما ، لكن الزوج سرعان ما يحلّ الأزمه بحملة واسعه على كل أنواع الطيور ومن مختلف الأجام والأنواع . فيشتريها ويضعها في المنزل في أقفاص متنوعه . وتعود للبيت البهجة ، وكأن شيئا لك يكن . لا حوار نسمعه من الممثلين كمال الحلو وليلى حكيم . وحده الجار ينطق بعبارات إقناعهما القصيره لترك العصفور عندهما . لكن المخرج روي خليل ، أستطاع أن يحوّل هذه القصّة البسيطه الى حوار بالنظر والحركه . وفهمنا بألسرعة المطلوبة ما أراده كل واحد من الواقفين أمامنا . الموسيقى وصوت العصفور سيطرا وحدهما على الشكل العام للحكاية . وبعض البطء في الحركه إنما كان لمزيد من الإمعان في وصف ورسم صورة الملل ، لتتحول بعدها الى حالة خاصة من السلوى في الحوار مع الكنار الضيف . وبدا أن إيلي ضاهر موسيقي بارع في نقل الصورة بموسيقاه التصويريه . وأنامله المرهفة على البيانو صوّرت الحالة بتفاصيل جميله جدا وملفته .
" كل العصافير بتصوفر " ، قد تكون تجربة لفيلم شبه صامت ، فيه حوار متين جدا ، وصورة ناطقه جدا . لست أدري ، بل لا أستطيع أن أجزم إذا كان روي خليل قي أستعار من شارلي شابلن في أفلامه الصامته بعض الصور ، أو هي مجرد أفكار تتداخل في الذاكره . لكن المؤكد ، أن روي خليل مخرج متميّز وأحد الوافدين الجدد الى عالم الصورة والصوت والعدسة المتحرّكه . وهنا نستنتج أنه إذا كانت " كل العصافير بتصوفر " كما هو إسم الفيلم ، فليس كل المخرجين يجيدون نقل الصورة بوضوح كما لو كانت حوارا من كلمات ... لكن روي فعلها ، لقد نقل روي الحوار بالإشارة والصورة وبعض الموسيقى ، وهذا ليس بالأمر اليسير .