الأحد، 25 أبريل 2010

عادل سرحان في " عرس الشرف - أديم " ... الحبّ والوطن ونجمة كبيره ...
==================================
بقلم : د . جمال فياض - منشور في زهرة الخليج
----------------------------------------------

وأخيرا ، وبعد طول إنتظار عرض علينا المخرج الشاب عادل سرحان فيلمه القصير وتحفته الجميله "عرس الشرف - أديم " . والفيلم الذي يسعدني أن أعلن أني أوّل من شاهده منذ شهر وأكثر في عرض خاص في مكتب المخرج الشاب ، كنت أنتظره بصبر طويل كي يراه الزملاء وأتمكّن من الكتابة عنه . إذ أن المشاهدات أيضا بالأمانات ، ولم يكن ممكنا أن أكتب عن عمل قبل أن يراه الجمهور لمجرد أن المخرج منحني ثقته وصداقته وكشف لي عن مكنونته الجميله .
في صالة عرض سينمائيه معروفه ( صالة صوفيل – الأشرفيه ) ، شاهدت مع عدد كبير من الإعلاميين والفنانين والمنتجين اللبنانيين والعرب ،عرضا خاصا للفيلم الذي نفذّه المخرج عادل سرحان بحبّ كبير . هو فيلم يختصر قصّة الشهاده الطويله في لبنان وعلى مساحته من الشمال الى الجنوب ، ومن الشرق الى الغرب الى كلّ الأتجاهات . أخبرني عادل حين دعاني ليفشي لي بسرّه السينمائي ، أنه كان في الولايات المتحده الأميريكه ، وهناك التقى بعدد من الأميركيين الذين ناقشوه في معنى الشهادة عند اللبنانيين والعرب . وبعد جدل عقيم وصلوا معه الى أنهم يرون الميت في حرب مع الإسرائيلي مثلا ، مجرّد قتيل ، قتله جندي عدوّ ... وأنه لا يوجد شيء اسمه شهيد ، بل ما الفرق بين قتيل وشهيد ... كلهم موتى .
عادل سرحان قال ، أردت أن أردّ عليهم وعلى كل المجتمع الغربي . وأن أقول لهم جميعا ، أننا نفرح بالشهيد ، ونبكي القتيل . وجاءت الفكره ، وتبلورت وأصبح " عرس الشرف - أديم" مجرد بداية ردّ لمن لا يعرفنا نحن في هذا الشرق المتألّم .
القصّة القصيره ، أن أسرة تستعد لأستقبال شخص عزيز وغالٍ ، الحياة تبدو طبيعيه جدا ، والكل يتكلّم ويتحاور كأن من ينتظرونه سيصل بين لحظة وأخرى .... تصعد الأم – كارمن لبّس – لتتحضّر لأستقبال القادم ، تخاطب الصوره على الحائط " سأرتدي لك الأبيض الذي تحبّه " ... وتكمل الى أعلى .... وهنا تبرز قدرة عادل سرحان الإخراجيه ، عندما يأخذ لقطة واحده دون إنقطاع لمدة تزيد عن الخمس دقائق ( وان شوت ) . تبدل خلالها الأم ملابسها وتنزل الى ممرّ البيت ، ثم الى الباحة الخارجيه... لقد وصل الغالي .... إنه الشهيد في نعش أبيض!
أنتظرته وهي تعرف أنه يصل اليها شهيدا لكنها لا تأبه ولا تحزن ، وتعيش حياتها طبيعية ... لتنهار عندما تجده فعلا وحالة ، فتنهمر العواطف ، الشهيد أصبح أمامها ، ولم تعد تتماسك عواطف الأمّ ....وتبكي كما كلّ أمهات الشهداء . وتقدّم كارمن لبّس مشهدا عبقريا !
هو فيلم كما القصيدة الشعريه ، لكل مشاهد أن يراه بعين ويقرأه ويسمعه ويشعر به ويتلقّاه كما يريد ....
ترصد كاميرا عادل سرحان هذه الحالة الأنفعاليه بشكل رومانسي وعاطفي من المستوى الرفيع . وترصد الكاميرا وجه كارمن لبّس بترقّب مخيف ومرعب منذ إطلالة العدسة على وجهها ، فكارمن لبّس تقول بعينيها للمشاهد أن أمرا ما ينتظره ، وأن شيئا غير عادي يحصل ... حتى إبتسامة الأم تبدو باهته وموجوعه ، ولا نفهم السبب إلا عندما يحين الوقت ... بلا أي مبالغه ، كارمن لبّس ممثله تكاد تكون أهمّ من ممثلات عالميات . هي وجه لبنان الى الدراما العربيه والعالميه ربما . وسنراها بلا شك تتسلّم جوائز على هذا الدور القصير الكبير .
جان حايك أيضا ممثل لبناني في دوره القصير يختصر مشوارا من الخبرة والقدرة والموهبه ... بنظرة ، وبوقفة تأمّل بسيطه يؤكد جان أنه ليس مجرد ممثل عابر . لقد أدار عادل سرحان مجموعة الممثلين اللبنانيين أصحاب السيرة المهنيه الممتازه بشكل ملفت وأستخرج بالثواني ما لا يمكن الحصول عليه بدقائق وساعات ... سعيد بركات ، مارون شرفان ، جوزيف بو دامس ... كلهم كانوا بمنتهى الجمال والأداء الصادق .
إيقاع الصورة جاء سريعا ، ثم تباطأ عندما استوجب التباطؤ ليناسب حالة الترقّب والوجع ... أما حركة الكاميرا فجاءت من أماكن غير متوقّعه تماما كما هو الفيلم ، جاء بموضوعه من حيث لا نتوقعه . لكن الأهم أن عادل سرحان حاول قدر الإمكان الإبتعاد عن دراما الفيديو كليب ، لكنه لم يستطع ، فقد دخل الكليب الى عالم الدراما ، وأصبح هو يشبهها ولي العكس .
موسيقى الفيلم التصويريه التي كتبها ماهر العلي ، كانت بمنتهى الجمال والحياة ، ففي حين كانت الصوره تضغط على شرايين عيون لتخرج دمعها ، كانت الموسيقى تضغط معها على الدمع مباشرة ...
الفيلم لا تتجاوز مدته العشرين دقيقه ، لكنها تختصر عمرا من الشهادة في وطن كما أغلب دول المواجهة العربيه ، يواجه ويقدم الدم فداءً للأرض والوطن .
" عرس الشرف - أديم " محاولة جميله ومليئة بالوجع ، يتقدم من خلالها المخرج عادل سرحان بأوراق إعتماده لعالم الإخراج السينمائي ، وهو بلا شك سيكون أحد أوائل المقبولين .


===============================================

ليست هناك تعليقات: